omo hafsa
بسم الله الرحمن الرحيم لم ينشأ مصطلح "السنة النبوية" المطهرة ولم يُعرف باستفاضة كاملة على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان شائعا في اللغة ، متداولاً في
كثير من
- Spoiler:
سور القرآن بمعانٍ مختلفة ، ووارداً في بعض الأحاديث بلفظ سنتي
(1) ونحوها. وهو في ذلك ينسجم مع المعنى اللّغوي لكلمة سنة والتي تعني -
في الغالب - الطريقة والعادة . فإذا قيل "سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم" فإن ذلك يعني طريقته وعادته صلى الله عليه وسلم فيما يقول وفيما
يفعل ، وفيما يُقرّ وفيما يستنكر ، وفيما يأمر به ، وفيما يدعو إليه أو
ينهى عنه .
- ولقد تنوعت اصطلاحات علماء المسلمين كثيرا فيما يتعلق بمصطلح
السنة بعد عصر التدوين . فالفقهاء يطلقون كلمة سنة ويريدون بها السنن
والنوافل ، كما في الصلاة والصيام والصدقة ، وهو كل ما حث الرسول صلى الله
عليه وسلم على القيام به ويُثاب فاعله ولا يُعاقب تاركه . مثال ذلك سنة
الفجر والظهر ... وصيام الاثنين والخميس . وأما الأصوليون فيطلقون كلمة
سنة ويريدون بها الدليل الشرعي الثاني . فأدلة الأحكام الشرعية المتفق
عليها عندهم هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما المحدِّثون
فالسنة عندهم هي المرويات التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء
اشتملت على أقوالٍ أو أفعالٍ أو تقريرات (والتقرير كما هو معروف يعني أن
يَحدث شيءٌ أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقره ولا يستنكره).
* الوحي والنبوة:
لقد اقتضت حكمة الله جل شأنه حين استخلف آدم في هذا الكون وعهد
إليه عهداً {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } (طه:115)
أن يعزز هذا العهد بالنبوة . فالنبوة هي المُذكِّرةُ لآدم بمهمته في هذه
الأرض ، والمُعلِّمةُ له كيف يعمرها ، وكيف يحقق معاني الخلافة ومهامها.
والنبوة قضية غيبية من الصعب أن نُخضعها لمقاييس المنطق الإنساني والعقل
الإنساني ، وإن كانت مفهومة في إطار الرؤية الإسلامية خاصة والرؤية
الدينية بشكل عام . فالنبي هو إنسان أوحي إليه بشرعٍ ولم يؤمر بتبليغه ،
وإنما أوحي إليه بما يمكن أن يجعله نموذجاً لغيره من الناس في أقواله
وأفعاله وتفاصيل حياته المختلفة . حتى إذا أُمر النبي بتبليغ ما أوحي به
إليه صار رسولا .
والوحي لغةً الكلام الخفي ، وهو أيضا عملية غيبية . وقد حصر الباري جل
شأنه عملية الاتصال بينه وبين البشر بطرق ثلاث كما في الآية الكريمة { وما
كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي
بإذنه ما يشاء } (الشورى:51) . وعند الحديث عن مصطلح "الوحي" فإن من
الضروري أن نفهم أن هناك شيئاً فوق عقولنا في عملية الاتصال بحيث لا يمكن
تحويلها إلى عملية طبيعية أو الادعاءُ بأنها ممكنة التكرار، أو إعطاؤها أي
صفة كسبيَّة إنسانية . فهذا البعد الغيبي في النبوة والرسالة يجب أن يُعرض
على حقيقته وعلى طبيعته الغيبية هذه . ولابد من التسليم - ابتداءً - بأن
ما يحيط بنا في هذا الكون حاصلٌ وفق سنن وقواعد يتفاعل فيها الغيب
والإنسان والخلق الطبيعي ، ومن يتجاهل هذا فإنه سيشعر - لا محالة - بالعجز
عن فهم كثير مما يجري حوله . ومن هنا فإنه لا يصح أن نستبدل مثلاً كلمة
النبي أو الرسول بالعبقري أو نحوه مما هو مشترَكٌ إنساني ، وكذلك مفهوم
"الوحي" بأي تصور آخر . مثل حديث البعض عن قضايا الكمبيوتر والترميز ، أو
الادعاء بأن قضية الوحي من المحتمل أن تكون عبارة عن لغةٍ رمزيةٍ رياضيةٍ
... الخ. فمن الواضح أن مثل هذه التأويلات غير واردة، وتعطي التفسير
الخاطئ لكثير من الظواهر . فعلى الإنسان إذا أن يعرف حدوده النسبيَّة التي
يدور فيها ، فهو مخلوق نسبيّ ، يولد بتاريخ معين ويموت بتاريخ معين ولا
يستطيع أن يحيط بكل شيء علما . وكل ما يستطيع الوصول إليه فهو محدود بحدود
طاقته وإمكاناته وظروفه البشرية في فترة زمنية محددة ، ووفقا لإطارٍ ذهني
معين . والخلاصة أننا معشر المسلمين نؤمنُ بإلهٍ متجاوزٍ متعالٍ منفصلٍ
وقريب في الوقت ذاته ، متّصفٍ بجميع صفات الكمال، منزّهٍ عن سائر صفات
النقصان ، لا يمكن للإنسان أن يتصل به كما يريد لتلقّي المعرفة ، بل أن
عملية الاتصال هذه غير ممكنة إلا بالطرق التي حددها الخالق جل شأنه وفي
مقدمتها "الوحي" .
* الرسالات:
تنقسم الرسالات السماوية إلى قسمين : الأول ، هو كل الرسالات
التي سبقت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، والثاني : ينحصر في رسالة محمد
صلى الله عليه وسلم .
أما النوع الأول منها فإننا نجد فيه أن الرسل جاءوا إلى أقوام بعينهم
محددين في قرية أو قوم ، وفي إطار زمني محدد كذلك ، يدعون أولئك الأقوام
أو أهل القرى إلى عبادة الله الواحد الأحد ، و لا يحاول هؤلاء الرسل
الاتصال بالأقوام الآخرين . فبُعث موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل وحدهم
، وبُعث نوح إلى قومه وحدهم ، وكذلك هود بُعث إلى عاد فقط . ولم تخلُ أمةٌ
من نبي {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء:15) ، {وإن من أمة إلاّ
خلا فيها نذير} (فاطر:24) .
وأما النوع الثاني فهو رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهي الوحيدة
الشاملة والكاملة والعامة والعالمية والخاتمة . وتتصف رسالة محمد - صلى
الله عليه وسلم - بخصائص معينة تجعلها مختلفة عن الرسالات التي سبقتها في
عدد من القضايا :
أولا: أن هذه الرسالة صدّقت الرسالات التي سبقتها . وعملية "التصديق" هنا
تتمثل في استرجاع كل ما ورد من مُشترَكٍ بين الرسل في تلك الرسالات بغرض
نقدها وبيان الزائف والمزيد والمحرّف فيها ، وتصحيح الصحيح وبيان الخطأ .
ولذلك امتلأ القرآن الكريم بذكر الأنبياء السابقين وأممهم وأحوالهم .
ويترافق مع صفة "التصديق" صفة "الهيمنة" ، فهذه الرسالة مهيمنة على جميع
الرسالات السابقة كما ورد ذلك في صريح القرآن {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق
مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه} (المائدة 48) {قل يا أيها
الناس إني رسول الله إليكم جميعاً} (الأعراف 158) . وهكذا فهي رسالة
عالمية عامة شاملة دائمة إلى يوم القيامة .